Elham Dawsari

View Original

جماعة الأنبياء السرّية: بين الاستبصار والسخرية الفنية

| Art Analysis

تحـلـيــــل فـنـّـي |


تحرير عمّار محمد

كيف تؤثر جماعة سرية ومغمورة في فرنسا في خلق اتجاهات الفن الحديث؟ 

وما هي الآثار التي تخلفها الجماعات الفنية السعودية الآن؟ 

وهل نستطيع التعبير عن رصد تلك الجماعات كأثر مباشر على قراءتنا لأنفسنا وتاريخنا؟ 



هل سمعت عن جماعة الأنبياء الفنية؟

في نبذة مختصرة لفنان كندي معاصر*، (حصل على إشادة النقاد كأحد الفنانين المبدعين من جيله، قبيل إنهائه حياته عن عمر ناهز الـ ٣٥ سنة ، في ٢٠١٩)، قرأتُ تشبيه أثر أعماله بأثر جماعة الأنبياء (١٨٨٨-١٩٠٠م) على الفن الحديث والفن اليوم. وإذ بها جماعة فنية مغمورة نوعاً ما وشبه سرية، هي خلف ولادة ونمو تيارات اتجاهات الفن الحديث المعروفة التي مهدت لظهور الفن المعاصر بأشكاله اليوم


من هم جماعة الأنبياء؟

جماعة الأنبياء (أو تسميتهم الأكثر شيوعا اليوم، ذا نابيز، بالإنجليزية) هي: جماعة صغيرة من الفنانين الفرنسيين الجامعيين ما بعد الانطباعيين، تميّزوا بالرمزية الفنية. فنانون درسوا الفن في أكاديمية جوليان، ذات التوجه الفني الليبرالي، حيث كانت الخيار البديل لمدرسة الفنون الجميلة الرسمية في باريس. عُرِفَت بتخريجها للنساء، اللواتي لم يُقبلن في مدرسة الفنون الجميلة الرسمية حتى عام 1897م، كما اشتهرت هذه المدرسة بارتياد الفنانين الدوليين لها وقضاء العديد من فناني الاتجاهات الحديثة وقتهم فيها

تنوعت أساليب أفراد الجماعة فيما بينهم، إلا أنها تشابهت في تباين أساليبهم بشكل عام بقوة مع الأسلوب التقليدي للمدرستين الواقعية والطبيعية

فكان للمدرسة الانطباعية الأثر الأكبر على الإلهام من ناحية المساحات اللونية النقية، والخطوط الجريئة، والرسم المبسّط التسطيحي والتجريدي، ومع تأثرهم بمعطيات عصرهم والمواضيع التي تناولوها، خلقوا مساحة جديدة لرسالة الفن وطريقة ممارسته، وهو ما أعطاهم هالة من التفرد والتميز لم يكن من السهل حصدها وتطبيعها في صفحات التاريخ

إلا أنه سرعان ما يتضح للدارسين أن ممارسات جماعة الأنبياء هي ممارسات لشبان هزليين سئموا الأساليب القديمة والتقليدية للفن، تقاسموا فكرة عدم تحميل الأمور أكثر مما تحتمل. حيث صُير الفن إلى التزامٍ تاريخي ثمنه ممارسة أكاديمية مؤسساتية تقليدية في تجربتهم، والتي في نظرهم لا تخدم سوى محافل ومحافظ الأغنياء وكبريائهم، وليس لها مكان في حياة الشارع والناس عموماً


وما كان من جماعة الأنبياء إلا أن يتحدوا ويوحدوا تلك الممارسات بشكل جماعي بدأت سرّياً، وتوسعت من خلال تعدد أساليبهم وممارساتهم ونمو علاقاتهم في الأوساط الثقافية. فكان أحد أفراد الجماعة وسيطاً فنياً، ما ساعد في نشر أعمال الجماعة وجاذبية سمعتهم السرية. مما در على فناني جماعة الأنبياء دخلاً مجزياً لما يزيد عن عقد، جرّاء إنتاج وبيع أعمالهم الفردية والجماعية، وتعاقدت عدد من المجلات والصحف الفرنسية الرئيسية معهم لتصميم المنشورات والملصقات، ودخلوا في الأوساط النخبوية وتعدد رعاتهم من خلالها

فمثلاً، وبالرغم من انضمام الفنان فيلكس فالوتون للجماعة متأخراً وانطوائه الشديد، إلا أنه سرعان ما اكتسب سمعة واسعة وعقود عمل متنوعة مع دور الطباعة والنشر وأصحاب الصحف والمجلات، لتمرسه وتميّز أسلوبه في الطباعة

التوجّه الفني لجماعة الأنبياء

لم تخفت الروح التهكمية عن أعمال الجماعة وممارساتهم الفنية المتنوعة، ومع كل تنوع الأفكار التي تناولتها إلا أنها تأسست حول فكرة واحدة وتمحورت حولها. لا تتمثل تلك الفكرة الجامعة في أسلوب فني واحد كعادة الجماعات و الاتجاهات الفنية مثل؛ اتجاهات الفن الوحشية والتنقيطية والتكعيبية... الخ. بل خلقوا فكرة حول الفنان وشعوره واجتمعوا جميعاً على قاعدة شعورية واحدة مع اختلاف أساليبهم وتنوعها فنياً

وساهمت أولوية شعور الفنان مع شمولية الأساليب الفنية في اتساع انتشار توجه الجماعة رغم سريتها. وهو ما أدى إلى طرح سؤال العصر بقصدٍ أو بغير قصد والذي ساهم في تغيير النظرة الفنية إلى الأبد

من سمح لك أن تقرر ما يعتبر فناً؟

اعتمد توجه جماعة الأنبياء بشكل رئيسي على شعور الفنان فهو أساس اللوحة الفنية، بشكل يفوق تطبيق الفنان للمظهر الواقعي لموضوع اللوحة، أي: ماذا لو رسمنا كيفية شعورنا تجاه منظر طبيعي أو شارع في وسط المدينة، بدلاً من رسم المنظر كما هو؟ مع المحافظة على انطباعات المنظر. فيرسم الفنان مساحات لونية مسطحة مدروسة بدقة تعطي انطباع الشارع ونوافذ وأبواب المحلات وأهل المدينة دون التفصيل في رسمهم، فيترك لدى المتلقي شعوراً وانطباعاً عما أبصره وشعر به الفنان. ذلك الانطباع الذي يوحي للمتلقي أنه شارع في وسط المدينة أو منظر طبيعي أو غير ذلك

يعتمد اتجاه جماعة الأنبياء بشكل رئيسي على أن شعور الفنان (بالتركيز على الذاكرة بدل الواقع، والكثير من الرمزية) هو أساس اللوحة الفنية، بشكل يفوق تطبيق الفنان للمظهر الواقعي لموضوع اللوحة

محفزات ظهور جماعة الأنبياء 

كان التوجه الذي اتفقوا عليه، نابعاً من تشابه خلفياتهم وتقاطعها ثقافياً واجتماعياً، والتي تصادمت مع الدراسة الأكاديمية التقليدية إلى حد ما

بدأت الجماعة بعد حضور مؤسسها الرئيسي، بول سيروزييه، لبرنامج فني أقامه الفنان الفرنسي الانطباعي بول غوغان في إحدى المقاطعات الفرنسية في قرية الفنانين التاريخية بونت-آفين ١٨٨٨م، في حضن الطبيعة في فصل الخريف خلال الأنشطة الجامعية. أنتج منها سيروزييه لوحته على لوح صغير من الخشب عن عمر ٢٤ سنة تحت توجيه غوغان. والذي سأل تلميذه بدقة مطلاً على لوحته من خلفه وهو يهم بالرسم

"كيف يشعرك منظر تلك الأشجار؟"

"فأجاب معلمه: أشعر بصفارها"

"إذن ضع اللون الأصفر"

"وهذا الظل؟"

"يبدو مزرقاً إلى حد ما"

"إذن ضع اللون النيلي النقي"

"وتلك الأوراق الحمراء؟"

"إذن، ضع لون الزنجفر" 

 

وكانت النتيجة لوحة بألوان نقية ذات تراكيب مسطحة، والتي لم تعكس منظر الطبيعة كما هو، بل عكست الأحاسيس البصرية للرسام تجاه منظر الطبيعة

عاد سيروزييه بلوحته إلى زملائه في باريس، في مساحة استوديو أحدهم، متشبعاً بنظرة جديدة للفن. ما إن رأوا اللوحة وسمعوا استطراده عن أولوية شعور ونظرة الفنان، حتى أطلقوا عليها "التعويذة"، لما أتت به من وعي جديد كلياً عن كل ما ألفوه ودرسوه ورأوه من قبل. ومع حداثة الفن الانطباعي حينها، لم يكن من الشائع رؤية لوحات خارج الأسلوب التقليدي للرسم. واتفقوا أن تكون لوحة التعويذة شعار إذعان انطلاق جماعتهم الفنية السرية فيما بينهم

عُرِفَ عن سيروزييه تجاربه المستمرة نحو التجريد، في محاولة منه كما يقول: "لتحرير الشكل واللون من وظائفه الوصفية التقليدية من أجل التعبير عن المشاعر الشخصية والحقائق الروحية". وشكّل هاجسه في الإحساس من خلال اللون نقلة نوعية، لاقت صدى لدى أجيال لاحقة من فناني اللون تأثرت به مثل مارك روثكو

وامتد أثر أسلوب بول غوغان على أفراد الأنبياء في بداية تشكل جماعتهم في ١٨٨٨م. فتتلمذت بقية جماعة الأنبياء على يد غوغان في نهاية دراستهم الجامعية، وتعرفوا من خلاله على توجهات فنية تباينت مع دراستهم الأكاديمية والتي أثارت فضولهم وأثْرت تفكيرهم. مما حفّزَ  لديهم تساؤلات حية ومفتوحة أعادت توجيه الفكر الفني منذ ذلك الوقت بالإجابة عليها بالمزيد من الأسئلة: لماذا نرسم؟ وماذا نرسم؟ وكيف نرسمه؟ ولمن؟

تأثير برنارد على غوغان

إلا أن غوغان صقل أسلوبه المؤثر من خلال صداقته ومراسلاته السابقة مع إميل برنارد، الذي يصغره بعشرين عام. وشكّل إعجاب أفراد الأنبياء بغوغان أحد أسباب تعيينهم له عضو شرف لجماعتهم، إلا أنه لم يحضر اجتماعا واحدا معهم

تعرف برنارد وغوغان على بعضهما قبل إنشاء سيروزييه للجماعة. وبالتحديد في الفترة ما بين فصل برنارد من مدرسة الفنون الجميلة في باريس، بسبب تعبيره الفني غير التقليدي، وقبل التحاقه بأكاديمية جوليان. فاستغل ذلك الوقت المستقطع ليستكشف جمال الريف الفرنسي في بونت-آفين. وحينها تعرف على غوغان الذي كان يقيم ورش عمل في الطبيعة، وتبادلا الأفكار ونمت بينهما علاقة صداقة

وتأثر غوغان كثيرا بالأسلوب السينثيزي الذي توصّل إليه، وكتب عنه نظرياً صديقه وتلميذه الفنان إميل برنارد منذ ١٨٨٦م، الذي تميز بتسطيح المساحات اللونية والشكلية وبساطة الأسلوب وبالرمزية كما في لوحته “العفو: نساء بريتون في المرج”، ١٨٨٨م. وذكر برنارد أن لوحته تلك ألهمت غوغان ليرسم لوحته الهامة “الرؤية بعد الخطبة”، ١٨٨٨م، إلا أنه تفوّق على تلميذه في مستوى الرمزية والتي تميزت بها أعمال غوغان خلال كامل مسيرته

وجد غوغان في الأسلوب السينثيزي الذي أتى به تلميذه برنارد ما جدد نظرته الفنية بعد أن تمللّ من الأسلوب الانطباعي. وتميز أسلوب برنارد السينثيزي برسم أشكال مسطحة عريضة محاطة بخطوط داكنة، مستلهما الغموض من الرموز الدينية وغيرها، ومتأثرا بالفن الياباني، مثل غوغان

وإلى جانب مذكرات برنارد عن غوغان ومراسلاتهما وأعمالهم المشتركة، تكشف المصادر المختلفة أن علاقة التلميذ بمعلمه الذي يكبره بعشرين عاماً، تذبذبت بين التقدير والعتب، بسبب عدم اعتراف غوغان بتأثره بإسلوب برنارد أبداً. والتي زرعت الضغينة في نفس الفنان الشاب حتى ترك أسلوبه الإبداعي المجدد حانقاً ليعود إلى التقاليد الأكاديمية التي حاربها

دمر المبدع والرائد (إميل برنارد) نفسه في معركة ضد أسلوبه الطليعي أو الآفنت-قارد الذي بادر في إنشائه. وأدى تنافسه مع غوغان إلى عزوفه عن الأسلوب التجديدي وعودته إلى المسار التقليدي. وحصل هذا التغيير عندما انتقل للعيش في الشرق الأوسط، في فترة أزمة. لكن تبقى الحقيقة أن الشاب برنارد لعب دورًا أساسيًا كملهم لغوغان، وأنه كان المخترع لرؤية فنية جديدة. - كاثرين بوجيه، أمين متحف الفنون الجميلة في بونت آفين

تشكيلة لأعمال غوغان عبر السنوات

تأثير فان غوخ
كما تعرّف برنارد على فان غوخ، بعد التحاقه بأكاديمية جوليان في باريس. ونمت بينهما صداقة دامت ما يقارب العشر سنوات، والتي عبّر عنها فان غوخ لأخيه ثيو في مراسلاتهما عن إعجابه الشديد بأسلوب برنارد وتشجيعه وتوجيهه له. تراسل الفنانان بشكل مستمر، وشاركا بعض نظرياتهما الفنية، ومشاريعهما، ومسودات بالقلم الرصاص للوحاتهم الزيتية التي يعملون عليها. كان آخرها رسالة من فان غوخ ينتقد فيها توجه برنارد التقليدي، والذي اختلف عليه، وكتب له

عندما أقارن ذلك بلوحتي “السيد المسيح في بستان الزيتون”، أشعر بالحزن. وها أنا أسألك مرة أخرى، وأصرخ بأعلى صوتي، أن تعود لطبيعتك ولو قليلاً 

عمق الفكر وبساطة الأسلوب

إن الصورة قبل أن تكون حصان معركة، أو امرأة عارية، أو قصة ما، هي أساسًا سطح مستوٍ مغطى بألوان مجمعة بترتيب ما.” الفنان موريس دوني عن السينثيزية

تميز موريس دوني، إلى جانب كونه أحد فناني جماعة الأنبياء، بالكتابة النظرية والنقدية في الفن. فكان متحدثاً جيداً، وناطقاً فصيحا للجماعة بسبب بلاغة لسانه وفكره. بل هو ناشر أفكار الجماعة التي وحدت نهجها في بيان في عام ١٨٩٠م عن عمر ١٨ عاماً، تحت "تعريف المدرسة التقليدية الجديدة". حتى تغنى فنانو الاتجاهات الحديثة في العقود التالية بأقوال موريس دوني، فكان بالنسبة إليهم علماً مجدداً للفن ومفهومه

اعتبر فنانو جماعة الأنبياء أنفسهم جماعة أخوية ريادية في استكشاف المصادر النقية للفن، سواءً كانت تلك المصادر ذاتية أو روحانية، بحثا عن الجمال في ما وراء دراسة الطبيعة، التي شكلت الكثير من مواضيع اللوحات الفنية في ذلك الحين. فشعرت جماعة الأنبياء بأهمية ابتداع كل فنان لفن ذاتي عميق التجذر في روحه، فتعمقوا في الغموض والرمزية الأدبية والدينية والروحانية في لوحاتهم، حتى لو كان موضوع اللوحة متعلقًا بالحياة اليومية العادية، وذلك من خلال دراسة تناغم الألوان والخطوط في اللوحة، واستخدامها للتعبير عن المشاعر والرمزيات.

وفي ثورتهم على الأسلوب الواقعي والطبيعي في الرسم، لا سيما مع اختراع التصوير الفوتوغرافي وقتها، رأوا أهمية أن يتغلغل الفنان في فهم شعوره نحو الأشياء، فإن لم يستطع الفنان أن يظهر مكنونات لوحته للمجتمع، ويترجم مشاعره فيها، فلن يستطيع أن يقدم رحلته الذاتية ووعيه للمتلقي، إن كانت مجرد نقل منظر كما هو في الواقع. وبهزلية جادة تسلحوا بترديد ترنيمة جماعية في بداية اجتماعاتهم في مرسمهم:

للأصوات والألوان والكلمات قوة تعبيرية خارقة تتجاوز كل تمثيل - بل تتجاوز المعنى الحرفي للكلمات

حيث أكّد ذلك موريس دوني في كتاب “أبجدية الفن التشكيلي” عام 1921، فكتب

الطبيعة هي جملة الأشياء التي تكشف عنها حواسّنا.. إذا كان فن الرسام يتلخص في تقليد الصور التي يراها وينقلها إلى شاشة، فإنه لا يقوم سوى بفعل ميكانيكي، لا تسهم فيه أي ملكة من ملكات الإنسان العليا، وسوف يكون ذلك انطباعا لا يضيف شيئا، وعملاً خالياً من الذكاء. إن فهم الطبيعة على هذا النحو ليس بالفن

جماعة أخوية شابة ارتبطت بالفنانين المتمرسين

أجاب أفراد الأخوية على تساؤلاتهم حول ماهية الفن بأعمالهم الفنية التي استلهمت أسلوبها من الاتجاهات الانطباعية، التي سبقتهم في الخروج عن القوانين التقليدية في الرسم الزيتي، والتي وظفت انطباعات الفنان الشخصية وخياله، متأثرين في فترة لاحقة بأسلوب الفنان الانطباعي بول سيزان الذي اعتمد على الذاكرة أكثر من الواقع في الرسم، والفنان الفانتازي الرمزي أوديلون رودون الذي اعتمد على الخيال وتميز بغرابة أعماله، (أمثلة لأعمالهما أدناه). ونمت بين أفراد الأخوية وبين هذين الفنانَيْن المتمرسَيْن علاقة احترام وتقدير. وتكشف لوحة “تحية لسيزان” ذلك الإجلال، حيث رسم الفنان موريس دوني، لوحة تجمع أفراد جماعة الأنبياء مع الفنان رودون تتوسطهم لوحة للفنان سيزان، كما في الصورة أدناه

بل إن تأثر الجماعة وتقديرهم لهذين الفنانين، وبالأخص الإعجاب المستبصر الذي حمله إميل برنارد لهما ولغوغان، كانت إحدى دوافع شهرتهم، بالإضافة إلى الدور الذي ساهم فيه نشر برنارد لمراسلاته معهم ومع فان غوخ وغوغان أيضا في فهمنا للفن الحديث

وتكشف لنا علاقة الفنانين المتمرسين بالفنانين الشباب، لا سيما في الاتجاه الفني الذي غير مجرى الفن، أهمية تعارف واختلاط الفنانين من مختلف المستويات والأجيال مع بعضهم. ففي حين أن الفنانين الشباب أتيحت لهم فرصة التعرف والتتلمذ على يد أكثر من فنان متمرس والدخول في دوائر فنية هامة أثرت ممارستهم وإنتاجهم الفني، فإن الفنانين الشباب كان لهم تأثير في المقابل على الفنانين المتمرسين. وذلك في مشاركتهم نظرتهم الشابة والمتمردة على التقاليد الفنية، والتي لا يمكن أن تأتي على ذلك النحو الخام في أغلب الأحيان إلا من وحي عصرهم ومن خلالهم. وبالتالي العبور بنظرة وتقنيات الفنانين المتمرسين، بنهجهم توجهات أكثر آنية، من خلال تحويلات مستجدة نابعة من محاولات عذرية، نحو بُعد إبداعي عصري ومخضرم

فهل كان سيثمر الأسلوب السينثيزي الذي توصل إليه برنارد لما آل إليه، لولا اهتمام وتبنّي غوغان المتمرس له، ومن ثم تأثر الفنانين بذلك الاتجاه وانتشاره لما أضافه من خبرته وتمرّسه في الفن؟

وهل كنا سنتعرّف على المزيد من التطورات في الأساليب والممارسات الفنية لجماعة الأنبياء، لو أن غوغان احتوى حاجة برنارد لأن يعترف معلمه القدير بتأثره بأسلوب تلميذه الطليعي؟ بدل أن يكون إنكاره سبب في تقاعس تلميذه وتواريه عن المزيد من التجارب؟

وهو الأمر الذي دفع برنارد إلى أن يبحر نحو الشرق الأوسط حيث مكث لمدة عشر سنوات، منتهجاً أسلوبا فنيا أكثر تقليدي. وأفصح لرينوار بعد سنوات عديدة متذمّرا

كنت أبلغ من العمر عشرين عامًا، وكان غوغان في الأربعين. كان من السهل عليه أن يقنع الناس أنه المبتكر لأسلوب في الحقيقة كان قد سرقه

كما أن تلك العلاقات المؤرخة تكشف لنا حاجة الجماعات الفنية للتواجد ضمن أنظمة حيوية وداعمة، بل وناشطة حتى الألم في تصدّيها للأنا وحب الظهور على حساب الغير، أو في إنكارها جمائل غيرنا في الفن والمشهد الفني على أقل تقدير. وهذا ليس بالأمر السهل في المجالات الإبداعية خصوصا حيث تنافسنا الأنا بشدة. لكن الفنان هو من أبدع جمائل وهدايا يشاركها مع الناس،لا يصحبها بمنّة

فخبرة الفنان المتمرس لا يجب أن تقتصر على ممارسته للأسلوب والإنتاج، بل في تمرّسه الفاعل والمستمر في كبح أهوائه الغريزية في شتى نواحي الحياة، وبالأخص في تسيّد الجهود والإنتاجات واحتكار المبادرات الفنية، مهما كان ذلك مغرياً 

تعدد المؤثرات والمجالات الإبداعية

تأثرت جماعة الأنبياء بجماعة ما قبل الرفائيلية والتي استلهمت من تقاليد وثقافات فنون القرون الوسطى، كما تأثرت أيضاً بالفن الياباني كثيراً، بسبب العلاقات الأوروبية اليابانية حينها، حيث شهدت فرنسا حراك تجاري للأعمال اليابانية، والتي استخدمت قوالب الخشب بدل القماش كوسيط للرسم باعتماد تقنية الطباعة الخشبية (أوكييو-إه). وتميزت بتسطيح الرسم وتناسق الألوان وجمالية السرد القصصية

كما تأثر أفراد جماعة الأنبياء بالروحانيات وبالأدباء والشعراء الرومانتيكيين والرمزيين، من أمثال: بودلير، ومالارمي، وإدغار آلان بو، كما كانوا يستضيفون زملائهم الأدباء في استوديو بول رانسون، وهو أحد المؤسسين الخمسة لجماعة الأنبياء

"إن كامل الكون المرئي ليس سوى مخزن للصور والأيقونات التي يخصص لها الخيال مكانًا وقيمة نسبية." - بودلير

من بين أولئك الأدباء، الشاعر الرمزي هنري كازاليس، والذي تَنسُبُ إليه بعض القراءات - والمختلف عليها - إطلاق لقب "الأنبياء" على مجموعة زملائه الفنانين التشكيليين المتسائلين والمجددين، تيمناً بتجديد أنبياء بني إسرائيل للرسالة السماوية، لِما أتت به نظرتهم المستبصرة للفن من اختلاف عما حفظه التاريخ لماهية الفن حتى ذلك الحين، فكانت نظرتهم أقرب إلى جوهر حياة عامة الناس والمجتمع بشكل كبير. وبالرغم من الأصول اليهودية لعدد من أفراد الجماعة، إلا أني أرجح أن الجماعة استقت لقبها من اللغة العربية بدل العبرية، حيث أن الأخيرة تنطقها “نڤي” بدل “نبي”. كما يُذكر وجود الحروف العربية لكلمة نبيّ خلف إحدى لوحات الفنان بول رانسون، منظر طبيعي للأنبياء، 1890م. علاوة على تأثر الفنانين في أوروبا، لا سيما الفرنسيين، في أواخر القرن التاسع عشر بالثقافة العربية وتنقّل عدد منهم بين مدن البحر الأبيض المتوسط

وبسبب اختلاف أساليبهم الفردية، تفاوتت مواضيعهم التي تناولوها في لوحاتهم أيضا. ما بين ترجمة للرمزيات الأدبية والقصص الدينية في لوحاتهم، وبين رسم الحياة اليومية داخل المنزل وحياة الشارع التي لم يكن شائعاً رسمها في ذلك الوقت

 

وباختصار: حرصت الأخوية على تعزيز كلاً من التركيب المتناغم والتجريدي للرسم مع تنوّع الوسائط، لا سيما مع اختراع الطباعة، والمعاني المضمرة في العمل الفني، وعلى أهمية الفن غير الغربي

التطبيق العملي والممارسة المستمرة

وكان من أبرز ممارسات جماعة الأنبياء، كسر حواجز النخبوية بين الفن والحياة العامة، وبالأخص: محو الفجوة بين الفن والزخرفة (أو الديكور)، فغلب على إنتاجهم الفني الرسم الزيتي والتصميم (إلستريشن)، والطباعة، والأعمال الزخرفية على الملصقات، والأطباق، والزجاج، والمصابيح، والأثاث، والجداريات، وورق الحائط، والتي أنتجت للصالونات الثقافية، ومساحات الضيافة كغرف الطعام

بدأ أعضاء جماعة الأنبياء بتطبيق رؤيتهم الفنية خارج اللوحات والقماش، إلى ألواح الخشب والكراتين، متأثرين بالأعمال الفنية والديكورات اليابانية. وتميز فيلكس فالوتون بالطباعة على الأسلوب الياباني، وأنتج العديد من الملصقات والتصاميم لأغلفة الكتب والمجلات والإعلانات التجارية بهذا الأسلوب

امتدت أعمال جماعة الأنبياء إلى الأواني والأثاث والديكور المنزلي، فاحتاجوا لاستخدام التجريد أسلوباً في الرسم للتكيف مع الأسطح المختلفة. وبسبب ذلك، توسعوا في تطبيق الفن في مجالات أبعد من مساحات المعارض، والمجلات الفنية، وديكورات المنازل، مثل تصميم الأزياء المسرحية للنصوص التي يكتبها أصدقاؤهم، وديكورات المسارح، وتصميم الملصقات الإعلانية وأغلفة كتب زملائهم الأدباء.. وغير لذلك


وحيث كانا فويار وبونارد من أوائل من تجمع حول سيروزييه إيمانا بنظريته الفنية، فقد كانا من أواخر من استمروا في نهجهم بعد تفرّق الجماعة في ١٨٩٩-١٩٠٠م وحتى وفاتهما. وبينما انغمس كل من رانسون ودوني وسيروزييه في المشاهد الرمزية المليئة بالدلالات الصوفية أو الدينية، فإن حميمية أسلوبي بونارد وفويار كانت مستمدة من حياتهما اليومية. وبالأخص من زوجة بونارد مارتا، ومن والدة فويار ماري التي كانت خياطة. وملهمته لممارسة فنه من خلال المنسوجات أيضا، علاوة على رسمه للكثير من المشاهد من ورشة خياطة والدته لسنوات. وتحث لوحاتهما على إعادة النظر في جماليات أدواتنا المنزلية العينية وعادتنا اليومية المتكررة

وشكلت كلا من استمرارية انتاجهما ومواضيعهما القريبة للتجربة الإنسانية، التي لا تزال تلمس حياتنا اليومية اليوم، أسباب تجعلهما موضوعين للمعارض الفردية في السنوات الأخيرة حول العالم، مثلا في متحفي تيت مودرن وهولبورن في ٢٠١٩

أخيرا، افترقت جماعة الأنبياء بعد تجارب متمرسة لما يزيد على عقد من الزمان، فعاد قسم منهم للرسم على القماش واستخدام الزيت، بأساليب ومواضيع تقليدية واقعية تتلمذوا عليها سابقاً، وتركوا خلفهم تساؤلهم: من سمح لك أن تقرر ما أعتبره فناً؟

التساؤل الذي يتم الإجابة عليه إلى اليوم، وربما إلى لا نهاية.. بأعمال فنية تواكب التغيرات في كافة نواحي الحياة (وتصنعها أحيانا)، لتستمر في مواجهة النظرات المثالية للفن

وكتب أدوارد فويار عن انفصال الجماعة موضحًا، “كان المجتمع حينها مُرحّبًا بالتكعيبية والسريالية، قبل أن نتمكن من التوصل إلى أهدافنا المتصورة.. وكأننا وجدنا أنفسنا عالقين في الفضاء”

موقع جماعة الأنبياء بين عصرين

ولأن الجماعة شكلت المرحلة الفنية والفكرية الانتقالية بين القرنين التاسع عشر والعشرين، وبالأخص بين الاتجاهين الانطباعي والحديث، فقد دمجوا بين الأساليب التقليدية في الرسم وبين الفكر الجديد لأولوية شعور الفنان.

حيث وفّقت جماعة الأنبياء في أسلوبها وفلسفتها بين ما سبقها من انغماس الحركة الفنية للقرن التاسع عشر في الجماليات، وبين ما تلاهم من ميل القرن العشرين إلى التجريد والتكيف مع عصر الإنتاج الإعلاني، ولذلك عُرِفت جماعة الأنبياء بحداثة أسلوبهم رغم استقائها الواضح من أساليب الفن التقليدية، مما تسبب في اعتبارها حركة فنية تقليدية، مقارنة مع الحركات الفنية الأكثر ثورية على التقاليد التي تلتها وتأثرت بها، مثل الاتجاهات الطليعية أو الآفنت-قارد للوحشية والتكعيبية والدادائيّة، التي استوحت عناصرها من مختلف أساليب جماعة الأنبياء التجريدية، سواء كان ذلك من براعة استخدام الألوان في الأسلوب الوحشي، أو تسطيح الأجسام في المدرسة التكعيبية، أو التطبيق الإعلاني في الاتجاه الدادائي

وبالرغم من ذلك، فقد تأثر الفنانون في فرنسا بنظرة الأنبياء الجديدة للفن تدريجياً، (ومن بينهم الفنان هنري ماتيس)، بفعل التجربة الفعلية، والاستمرار بالممارسة الفنية من قبل جماعة الأنبياء لذلك الاتجاه لما يزيد عن عقد من الزمان، ومشاركة أعمالهم في المجلات، والمعارض الفنية، والمساحات العامة، ودور النشر. وكذلك بسبب تغذية اتجاه جماعة الأنبياء المغرية للذات (الأنا)، وأولوية مشاعر الفنان في العمل الفني، فلا شك أن تحدي الإتيان بنظرة ذاتية جديدة هي مغامرة جاذبة. فتشعّبت الاتجاهات الفنية الانطباعية التي سبقتهم إلى الاتجاهات ما بعد الانطباعية، ومن ثم إلى التعبيرية بأشكالها المعاصرة والمتحورة حتى اليوم

أثر الفراشة: من السرّيّة إلى العالمية

ساهم ميل جماعة الأنبياء لتبسيط وتجريد أسلوبهم الفني في انتشاره، وسهولة تبنّيه من قبل الفنانين والإضافة إليه؛ علاوة على جاذبية واتساع المواضيع التي تناولتها، والتطبيقات التي مارستها، لتشمل مختلف نواحي الحياة الثقافية ومؤسساتها العامة

  وقد يكون لطبيعتها المتوازِنة بين الجد والهزل، مفعولاً إيجابياً غير مباشرٍ على تبسيط الفن، وقبوله من عامة الناس، رغم عمق معانيه. وبسبب إعجابها بتسمية زميلهم كازليس لهم "بالأنبياء" المبالغ فيها، استوحت من اللقب لغة سرية بينها، كانت مزيجاً بين تبجحهم في الثقة المفرطة، وروحهم المرحة، ومع تعدد اللغات بسبب تعدد المؤثرات عليها؛ منها تسمية الاستوديو (بالمعبد)، وتسمية بورتريه لزوجة رانسون (والتي رسمها موريس دوني) "نور المعبد"، كما أطلقت على بعض أعضائها ألقاباً، مثل: "النبي الياباني جدا" على: بيير بونارد، لتميز أسلوبه الياباني، و "النبي ذو اللحية اللامعة" على: بول سيروزييه، و "النبي النحات" على: جورجس لاكوم، و "النبي الياباني أكثر من النبي الياباني جداً" على: بول رانسون، و"النبي ذو الأيقونات الجميلة" على: موريس دوني.. وما إلى ذلك

 لا يزال الباحثين والأكاديميين اليوم يتحققون من مدى جدية جماعة الأنبياء وإنتاجهم الفني. ويبحثون فيما إن كانت رمزية أعمالهم ذات دلالات فعلية أم مجرد هزلية. مثل إحدى البورتريهات التي رسمها مؤسس جماعة الأنبياء، بول سيروزييه لزميله بول رانسون، "زِيّ النبي"، بلباس احتفالي وصليب ونجمة خماسية

لا يزال الباحثون والأكاديمون إلى اليوم يتحققون من مدى جدية جماعة الأنبياء وإنتاجها الفني، ويبحثون فيما إن كانت رمزية أعمالهم ذات دلالات فعلية، أم هزلية مجردة، مثل إحدى البورتريهات التي رسمها مؤسس جماعة الأنبياء، بول سيروزييه لزميله بول رانسون، "زِيّ النبي"، بلباس احتفالي وصليب ونجمة خماسية

وحيث أنه لا توجد أدلة ثبوتية على ارتدائها أزياءً احتفالية، أو ممارسات لطقوس دينية بمناسبة اجتماعاتها، لكنها حتماً تعكس اهتمام سيروزييه بطبيعة اجتماعات الجماعة السريّة. إلا أن استمرار الأخوية في ممارسة اتجاهاتها الفنية الفكرية لما يزيد عن عقد، والتوسع في ممارستها لتشمل أعمال الأدباء، والموسيقيين، والمفكرين، والمعتقدات الدينية، والمجتمع المساند من مسارح ودور نشر... الخ، كانت كفيلة بإحداث أثر الفراشة على مدى عقود بل قرون على النظرة والممارسات الفنية لأجيال قادمة، بل وعلى وعي وفكر المجتمع المتلقي

 

وانتقل أثر الجماعة من دائرة الجماعة شبه السرية إلى أفراد المجتمع، الذين أصبحوا موضوعاً للأعمال الفنية في كثير من الأحيان، من بورتريهات لعوائل الفنانين، ولوحات انطباعية لحياة الشارع العام، إلى التعبير البصري والحسي عن الرموز الروحانية والأدبية المؤثرة في حياة المجتمعات


 

الأنبياء الآفلون

بالرغم من أن أعمال جماعة الأنبياء لا يشار إليها بالبنان اليوم - وربما يعود ذلك لاهتمامها بالتجربة والاستكشاف أكثر من اتقان الأسلوب، واعتمادها الرمزية والغموض في الأسلوب، وفي النشر، فلقد كانت الجماعة تنتج أعمالها وتعرضها أو تنشرها في المجلات تحت اسم الأنبياء، وتوقع جميع رسائلها بالحروف الأولى من العبارة الفرنسية، "في راحة يدك، كلماتي وأفكاري" - إلا أنها بكل تأكيد مهدت الطريق لفنانين، واتجاهات فنية حديثة من بعدهم، كانت بعيدة عن السرية وأكثر اتقاناً وتمرّساً في الأسلوب، وإن كانت رمزية أيضاً، وبالتالي أكثر انتشاراً وشهرة

 

ففي حين لم تحظ جماعة الأنبياء بقداسة خلودها في التاريخ، بشكل موازي للقبها وأثرها على الفنانين، والفن، في الحياة اليومية كما نعرفها اليوم، حيث لم يكن التتويج هو الهدف الأسمى لأي جماعة شبه سرية. وبالنسبة لجماعة الأنبياء: وبالرغم من أثرها الكبير اليوم.. فليس مستغرباً أن تكون النظرة السائدة لهم آنذاك أن تكون مجموعة فتية ببعض امتيازات الوقت والمادة، يزعمون الثقافة والفن، عُرِف عن بعضهم تطرفهم الديني، رغبوا في إحداث جلبة كردة فعل على سخطهم على سيطرة المؤسسات.. كتجربة مؤقتة في شبابهم، قبل أن يعود كل منهم في كبره لأسلوبه التقليدي للمدرسة الواقعية، ورسم المناظر الطبيعية التي تتلمذ عليها، أو إلى رسم البورتريهات للأغنياء.. الأنبياء الآفلون.. ما إن استبصروا الفن وأتوا برسالته الجديدة للناس حتى عاد أغلبهم معتكفين في كهوفهم، تاركين استبصارهم لمستقبل الفن في حاضرنا

 

ولا نغفل أن احتكاكها وتفاعلها مع المجتمع والحياة اليومية، خلق تأثيراً مدوياً حسياً وبصرياً ونفسياً واجتماعياً وفكرياً. فبقي أثرهم، وتسربت فلسفتهم في تركيبة المجتمع، وفي طريقة تفكيره بطريقة مضمرة.. مثل الرمزية التي بجّلوها في أعمالهم.. وتناقلتها الأزمان والأماكن وحورتها وأعادت خلقها حتى اليوم


أهمية تواجد الجماعات والاتجاهات الفنية اليوم

على هامش كتابة هذا المقال فيما يخص الاتجاهات الفنية، ذكرت لي الدكتورة إيمان الجبرين، الفنانة والمؤرخة الفنية والقيّمة الفنية على عدد من المعارض محليا ودوليا، والتي تحصد اهتمام وآمال الكثيرين لنشاطها الملهم والفاعل في المشهد الفني والثقافي السعودي اليوم، ولرؤيتها الشمولية وثقافتها الفنية العالية

اليوم، بالمفهوم المعاصر، لا نتوقع ظهور اتجاهات. بالعكس، فهناك نوع من الملل من الاتجاهات الموحدة. بل أننا نجد نوع من الضغط على نفس الفنان لأن ينتج اتجاهات جديدة. وإن ظهرت اتجاهات، فسوف تعتبر من قبل المختصين في الفن أنها تقليد، وبالتالي تكون أقل قيمة

وفي حين أتفق مع نظرة المختصين بأن أهمية الاتجاهات تاريخياً تكمن في تدوين وتأريخ وقراءة الفن بالشكل الأكبر، وأننا مع معطيات عصرنا نتجه في الفن، كما في الحياة، نحو التفرّد المفرط والإبهار الآني في الإنتاج لمتطلبات السوق. إلا أنه لا يمكن نفي أن الاتجاهات الفنية هي أيضا نوعا من إدارة الحشود المستخدمة من قبل الفنانين بتلقائية، في الإتيان بحلول إبداعية تتجاوز مشاكل عصرهم المختلفة. سواء كانت تلك الاتجاهات أو الجماعات نابعة من حاجة جغرافية أو فكرية أو شعورية وغير ذلك. وأن الجهود المتكاتفة والمتتابعة هي حتما أفضل في تمحيص وتجربة وتحقيق تلك الحلول

كما يصعب افتراض انتفاء التقليد من الممارسة والإنتاج الفني يوم ما. فالتقليد كما نعرف طبيعة بشرية لن تنتهي. فأزلية جدلية التقليد في الفن برهان أولي، واستمرارنا في رؤية والتفاعل مع أعمال فنية تبهرنا يستحيل أن تكون ابتُدِعَت من العدم - بل من مرور الفنان في سلسلة تجارب تأثر فيها بمُلهِمِيه سواء أدرك ذلك أم لم يدركه، سواء درسهم أو جهل أسماءهم

فمن الممكن الإستدلال بأهمية دور الجماعات والحركات الفنية الرائدة في السعودية التي شقت الطريق في تأسيسها لمشهد فني منذ الستينيات والسبعينيات حتى اليوم، لإثبات أهمية وجود ورصد الجماعات والاتجاهات الفنية. حيث سعى جيل الرواد نحو التجربة المتمرسة من أجل الفن. أو الفن للفن كما يقال. مقارنة بتحقيق مكاسب مادية أو شهرة بسبب اختلاف معطيات عصرهم. فكان المشهد الفني وممارساته ورسالته جديدة على المشهد الاجتماعي ككل. وتركزت معضلة تلك الأجيال في الاستمرار في إثبات وخلق حاجة للفن، وتكريس حياتهم المهنية لتحقيق رؤية فنية سعودية، تبني على موروثاتها الشفوية والبصرية والثقافية

كما أن جماعات الفن التي نشطت منذ الثمانينيات والتسعينيات، مهدت لتشكيل حركة الفن المعاصر في السعودية منذ بداية الألفية الثالثة الميلادية، والتي كان لها دور محوري في تحدي النظرة التقليدية المحلية للفن اليوم، وانتقال الأعمال الفنية من اللوحة إلى ما بعد اللوحة، وإبراز الفن السعودي على الخارطة العالمية مع الأعمال الفنية السعودية ما بعد ٢٠٠٠م

فيذكر الناقد والفنان عبد الرحمن السليمان، مؤلف كتاب “مسيرة الفن التشكيلي السعودي”، عدد من الجماعات الفنية في مختلف مناطق المملكة على مر العقود، في حواره الثري عن تاريخ الفن السعودي، ضمن البرنامج الثقافي المقام على جانب فعاليات بينالي الدرعية في شهر يناير ٢٠٢٢م، والمنشور في حساب مؤسسة بينالي الدرعية على منصة يوتيوب

عدد من بينهم مجموعة فناني المدينة، وفناني الدوادمي ضمن نادي الدرع، وجماعة الفنون في القطيف. وأردف، “ومن الرياض، كانت هناك جماعة كبيرة عرضت أعمالها في قصر طويق، وانقسمت إلى جماعتين بعد اختلافهما: ألوان في الرياض، وكان خلفها الفنان سعد العبيّد، ومجموعة الرياض، ومن بينهم الرزيزا والدهام ومحمد فارع وفهد الحجيلان. والتي كانت بينهم شبه منافسة”، وذكر أيضا مجموعة فنانات الرياض، ومجموعة فنانات الشرقية. وأضاف، “كما نشطت جماعة شتى لفترة قصيرة، والتي كانت قائمة على الأفكار أكثر من كونها من جماعات المدن”

وغلب على تلك الجماعات المختلفة فترات متقطعة من الإنتاج عبر السنوات، باستثناء بعضها ومنها جماعة المدينة المنورة التي تذكر د. إيمان الجبرين أن “عمرها أكثر من أربعين سنة. وهي أطول الجماعات عمرا والتي ما زالت مستمرة. وهناك من الجماعات ما عمرها ١٠ سنوات وما يزيد”

رصد الاتجاهات المحلية

إن التنقيب عن الاتجاهات الفنية المغمورة اليوم وتشجيعها، من خلال رصدها والكتابة عنها؛ هي طريقة لإثبات وجودها، ولتحفيز نموها وتشكّلها وتفاعلها مع وعي المجتمع، ولمداعبة وتحدي المفهوم السائد للفن باستمرار لدى أهل الفن والمجتمع. (والتي متى ما أُهمِلَت، تبدأ ممارساتها في خدمة النخبوية بشكل بحت، لما للفن من أبعاد تجارية وسياسية أيضا، فتحيدُ عن أهدافها الاجتماعية)

كما أن ذلك الرصد والتنقيب يعيدان توجيه ما درجنا عليه من مفاهيم وممارسات سائدة. والتي بدورها تثري الذخيرة الفكرية والحسية والبصرية للفنانين أنفسهم، وللمشهد الفني، وبالتالي للمجتمعات التي تحتضنهم، والتي ينتجون أعمالهم لها، فينشأ اتجاه فني جديد مشتق من إحدى الاتجاهات السائدة، بروح جديدة من حاجة ووحي مجتمع صغير أو مهمش، قد تبدأ بشخص، كثيرا ما يجهل أثره في إثراء المشهد الفني والمجتمعات من بعده

 

وهو الموضوع الذي أبحث عنه وأسعى لاستكشافه وتعزيزه في كتابتي عن الفنانين في السعودية على مدى سنوات قادمة.

 

ويقودني ذلك إلى التساؤل حول ما الذي يجعل الفن مغموراً، أو يكون له اتجاهاً فنياً يستحق الرصد؟

 

الإنتاج الفني المحلي

من خلال إلقاء نظرة عامة للإنتاج الفني المحلي في السنوات القليلة الماضية، وجدت جهود، وتوجهات فنية متفرقة تتوارد إلى ذهني، سأذكر بعض منها، قد تُشكل بواكير اتجاهات فنية إن تم الاستمرار فيها.

  تمثلت بعضها في سد فجوات من الذاكرة الفردية والجماعية، بسبب غياب التوثيق، لا سيما البصري، لفترة التسعينيات الميلادية وما سبقها، وبسبب سرعة تحولنا كمجتمع مدني على صعيد الأسرة والمنزل والحياة العامة، وباستمرار هذه الجهود المتفرقة، نجحت في خلق شعور عام لدى المجتمع بإعادة إحياء الموروث القريب بشكل جمعي في الآونة الأخيرة على مستوى المجالات الإبداعية كافة وليس الفنون البصرية فقط، والتي بدأت بأعمال فردية متفرقة، وتم تعزيزها مع إعلان الشروع بتنفيذ رؤية المملكة التي حثّت وشجعت على تأصيل وتأطير الهوية

تفاوتت أشكال تلك الإنتاجات الفنية بشكل واسع

من تصوير فوتوغرافي للشارع العام والأقليات الوافدة على منصات التواصل

وفي توثيق الروايات والتجارب الاجتماعية المهمشة في بيوت العوائل السعودية في أعمال تركيبية تفاعلية مثل "الأربعاء الجاي"، للفنانة: هدى الناصر (٨-٢٥ ديسمبر ٢٠٢١)، والذي موضعت فيه مساند الجلسات العربية في شكل غرف وبيوت كما كنا نلعب في طفولتنا في التسعينيات، وبتنسيق من القيّمَين: آلاء طرابزوني، وفهد بن نايف، والذي استمتعت باللعب فيه بهدمه وإعادة بنائه مع بنات أختي لدى زيارتنا له في إحدى الشقق المستأجرة في حي السفارات في الرياض كمعرض فني مؤقت

والعمل التركيبي التفاعلي "زولية أمي" ، للفنان: سعيد قمحاوي، والذي شهد تفاعلاً كبيراً من قبل حضور مهرجان نور الرياض في ربيع ٢٠٢١، على منصة انستقرام

والعمل الاستعراضي "ترديد"، للفنانة: فتون الذايدي، الذي تستذكر فيه علاقتها مع جدتها والحنّاء في الماضي 

جميع تلك الأعمال لم تكن لتوثيق تلك الروايات وإعادة تمثيلها فحسب، بل حثّت المتلقي للوقوف عليها وعلى تحولنا السريع كمجتمع محافظ اجتماعيا واقتصاديا، نحو مرحلة من التسامح والتصالح الذاتي والجمعي للفرع المتعولم مع الأصل من تلك القرية، وهي المرحلة الهامة التي قفزناها كمجتمع بسبب التحول الجذري على كافة أصعدة الحياة في فترة زمنية قصيرة

تفاعل أطفال مع “الأربعاء الجاي” للفنانة هدى الناصر

العمل الاستعراضي “ترديد” للفنانة فتون الذايدي

وكذلك وفرة إنتاج الإعلانات الوطنية والتراثية في السنوات الأخيرة، والمتشابهة إلى حد كبير مع بعضها، بالإضافة إلى تعدد الأعمال السينمائية والتلفزيونية التي حصدت إعجاب الجمهور والنقاد، مثل فيلم "حد الطار" ، للمخرج: عبد العزيز الشلاحي

 

كما أرى توجهاً آخراً، في إعادة إنتاج أعمال فنية من المواد الخام في البيئة المحيطة، يحاكي العودة الجماعية لنا كشعب للطبيعة، والانغماس بها بعيداً عن زخم وصناعية المدينة، خاصة مع نمو السياحة الداخلية، والتي قد تبدأ عبثية، وتتحول إلى حاجة ملحة لإثبات حالة أو رؤية معينة لدى الفنان، مثل توجه قلة نسبية من الفنانين اليوم إلى استخدام التربة، والحصى، وجذوع وسعف وليف النخل وعذوق التمر في أعمالهم بطرق مختلفة

مجموعة صور لتجارب الفنان محمد الفرج مع المواد الخام من البيئة

 

يخبرني الفنان محمد الفرج من الأحساء، حين سألته عن رحلته الفنية مع المواد البيئية التي يستخدمها: "أعمل كثيرا مع الصدفة.. لا ألزم نفسي بإنتاج عمل لمجرد إنتاجه، بل أتحرى خلال تجاربي أن أصل إلى تكامل واتزان بين مفهوم العمل والمادة الخام وشكل العمل، مع استمرار التجارب والمحاولات." ويضيف أن تلك المواد بالنسبة إليه: "تفرض علينا مسؤولية مقدسة في التعامل معها والإضافة لها، لكونها ترمز لتاريخنا المشترك وتجاربنا المتراكمة كأفراد وشعوب". 

 

ولا تزال مجمل تلك المحاولات في مراحلها الاستكشافية المبكرة، والممتع مشاهدة نموها متكفلة بإثراء المخيلة، دون تصور نهائي باحتمالات نتائج تلك المحاولات على سنوات عديدة قادمة، وتوقع كيف يمكنهم استغلال تلك المواد الخام من البيئة المحلية والتمرس في استخداماتها، وأخيراً تطويعها لسوق العمل والسوق الفنية في هيئة أعمال مكتملة النضج والهوية في المحافل والمعارض الفنية الرسمية، وتفاعل المجتمع معها وحولها بشكل أشمل

مثل التفاعل في بينالي الدرعية حول عمل “ولادة مكان“ للدكتورة زهرة الغامدي من الباحة، وعمل “ركائز النورة” لحمود العطاوي من مواليد ساجر، واللذان من خلال المواد البيئية المستخدمة فيهما يلامسان تركيبتنا الاجتماعية والشخصية من أول نظرة. ويجذبان المشاهد لاستكشاف الفكرة خلفهما

فاستلهمت الفنانة زهرة الغامدي عملها من التغيير الطارئ على طبوغرافية وعمران منطقة الدرعية الأثرية، ذات البيوت الطينية التقليدية والطبيعة الصخرية حول وادي حنيفة الذي يجري بين مساكنها. والمليئة اليوم بالمستودعات الصناعية والدكاكين والمحلات التجارية، والتي يقام فيها أول بينالي سعودي دولي ضمن سلسلة مشاريع ضخمة للمملكة لإحياء التراث في الدرعية. وترجمت اتساع وتغير الدرعية الأفقي والعمودي في عملها بالتمدد العمراني الذي يكاد يخترق النسيج الطيني للدرعية ليلد نفسه من جديد في حقبة زمنية مختلفة

ويقول حمود العطاوي معلقا على إحدى مراحل إنتاجه لعمله في إحدى منشورات حسابه في إنستقرام، “أحاول من خلال هذه التجربة اكتشاف مدى قابلية رمال المملكة العربية السعودية لصناعة جدار بطريقة الرمل أو الطين المدكوك”. فمن خلال تجاربه في محترفه “وسم” الذي يشاركه مع الفنان سعد الهويدي وعدد من الفنانين، في حي جاكس في الدرعية، قام بسلسلة من التجارب على مدى سنة ونصف لينتج منها عمله المستلهم من الأعمدة المتبقية من القصور والبيوت الطينية في حي طريف التاريخي. ويذكر، “قمت بتشبيه الركائز بالنساء على مدى ٣٠٠ سنة في السعودية. فكان للنساء كلمة وحكمة في إصدار القرار، ولم تكن مهمشة”. كما يشرح جمالية تراكم أنواع الطين المدكوك في عمله والسبب خلف تسميته ركائز النورة ضمن سلسلة مقابلات فناني بينالي الدرعية

  وهناك اتجاه يتشكل على استحياء، في إنتاج وعرض الفنانين لأعمالهم بطريقة أصيلة وصادقة، وليس لغرض القبول المؤسسي والتجاري البحت، وأرى شخصيا أنها بحد ذاتها حركة فنية، مع ما تملك من جرأة تميزت بها الاتجاهات الفنية عبر التاريخ، وأن تتحدى الممارسة السائدة وفقاً لأهداف تخدم صدق الفنان وعمله، تجاه نفسه والمواد والمواضيع التي يتناولها في وجه المؤسسات الربحية ونزعتها للإنتاج السريع والموالي لتوجهات وذائقة الغرب المتسيّد للمشهد الفني العالمي، وتفسح تلك المحاولات الطريق لتشجيع الغير أن يشاركه توجهه، فيتحول من مجهودات شخصية متفرقة إلى اتجاه فني، على أمل أن تتبدل عموم الأعمال التي نشاهدها في المعارض من قوالب مجوفة المعاني إلى فن حقيقي يبعث على التفكّر والتبحّر في شتى جوانب الحياة، وفي أنفسنا


وأذكر عمل "الجوارِ المنشآت" للفنانة سارة خالد، في إقامة مسك ٢٠٢١، الذي تعمقت فيه في دراسة واستعراض العلاقة بين اللغة العربية والإعمار في الأرض من ناحية تاريخية، وروحانية، وعلمية، بسلسلة من المعادلات الرياضية والخرائط الذهنية لتنتج منها آلة افتراضية تجري في البحر وتصدح بالأبيات الشعرية لعالم مستقبلي

مجموعة صور من العمل الفني “الجوار المنشآت” للفنانة سارة خالد - إقامة مسك الفنية

 

الحاجة لفهم السوق الفنية والمجتمع

من الواجب التنويه، أنه لا يلزم لاعتبار العمل فنياً دخوله في السوق الفنية، إلا أن ذلك يحفز وصوله لشريحة أكبر من المتفاعلين مع نسخ مختلفة من العمل، ويمنح الفنان مصداقية فنية أكبر، لا يجدي نفيها، ولو كان إنتاجه الفني تجارياً بحتاً

 

كما أنه لا يشترط أن تكون تلك الهوية الفنية، أو الاتجاهات هي الأولى من نوعها، بل يكفي استمراريتها لتبدأ بتشكيل خط فني واضح المعالم والصورة

 

فكما هو الحال في الاتجاهات والجماعات الفنية، ومنها جماعة الأنبياء، فإن المحاولات المكرسة في اتجاه فني معين، ومن خلال تعدد التجارب، والممارسة المستمرة، وتكرار المزاولة، تخدم تعديل السلوك المؤسساتي أو المجتمعي، فهي تبدأ على مستوى الفرد، وتنشأ من حاجة المجتمع التي يستبصرها الفنان، تتراكم تلك المحاولات بعد فترات ممتدة في هيئة هوية واضحة المعالم، أو هوية متباينة عن السائد على أقل تقدير، نتجت بعد التوصل لحالة تناغم بين المواد المستخدمة والمواضيع المعبر عنها، والأحاسيس والمفاهيم التي تقودها، فيلين أحدها للآخر، مما يعطي العمل بعداً يختلف عن المألوف باختلاف وتفاوت تلك العناصر، فيتشكل اتجاه فني جديد، مزج بين السائد وغير المألوف


خلاصة: أهمية رصد الاتجاهات للفنان والمجتمع

إلا أن أهم ما يميز الاتجاهات الفنية هي أن نتاجها، بمعنى آخر: المواضيع، أو المواد، أو النظرة غير السائدة التي تقدمها، فهي تلمس وتر المجتمع الذي نشأت منه، وتخلق سلسلة من التفاعلات بين العمل والفنان وبين المجتمع الذي يحتضنه

 

فإذا نظرنا للفنان، فهو يدور في دائرة الطاقة مع كل عمل، تبدأ من تأثره بالمجتمع الذي نشأ منه، ومشاعره تجاه الأمور، ونظرته المتمرسة، مرورا بترجمة رؤيته ومشاعره في ممارسته الفنية، وتكتمل بعودته للمجتمع في شكل عمل فني يهديه إليهم، وأحيانا يسدد بها فواتيره، ليشارك ما استبصره وكيف مزج بها روحه

 

فنتيجة العمل الفني: مزيج بين وعي ولاوعي الفنان، وهو بدوره يدخل إلى اللاوعي المجتمعي، أو الفردي المبعثر، حين يتفاعل معه، فيخلق ذلك الشعور بالانجذاب للمجهول والمبهر، عندما يحاكيك عمل فني ما، في لحظة تنويرية سخية تطفح بلاوعي المتلقي للسطح، وبفعل إنتاج ومشاركة الفنان للعمل، تخرج الحالة من اللاوعي الجمعي إلى وعي وتركيبة ذلك المجتمع

 

إن رصد وتدوين ممارسات وإنتاجات الفنانين، من شأنها أن تمكننا من الإبحار والتعمق في ذواتنا، وفي مجتمعاتنا، والتوسع في قراءة نمونا، وتحولاتنا، وإعادة إحياء النقد الذاتي لجلّ ممارساتنا


الحاشية

الفنان ماثيو وونغ*


المراجع

https://www.tate.org.uk/art/art-terms/n/nabis

https://www.tate.org.uk/art/art-terms/a/academie-julian

https://www.sothebys.com/en/art-movements/les-nabis

https://www.artspace.com/magazine/art_101/close_look/les-nabis-the-19th-century-painting-cult-youve-never-heard-of-56240

https://www.theartstory.org/movement/les-nabis/artworks/#pnt_2

https://artdecision.eu/make-way-for-style-art-of-nabis-symbolism-fauvism/

https://www.researchgate.net/publication/239859931_The_Nabis_and_Intimate_Modernism_Painting_and_the_Decorative_at_the_Fin-de-Sieclehttps://www.researchgate.net/publication/239859931_The_Nabis_and_Intimate_Modernism_Painting_and_the_Decorative_at_the_Fin-de-Siecle

http://www.artcyclopedia.com/history/les-nabis.html

https://www.hisour.com/ar/synthetism-35112/

http://www.visual-arts-cork.com/history-of-art/nabis.htm

https://tinyurl.com/4xb94674

https://twitter.com/ngadc/status/1242184917846556678

https://www.nga.gov/audio-video/audio/eb-20th-century-art/eb-20th-century-art-french-painting-video-1.html

https://www.artandantiquesmag.com/post-impressionism-les-nabis-brotherhood/

https://www.khanacademy.org/humanities/becoming-modern/avant-garde-france/post-impressionism/a/the-pont-aven-school-and-synthetism

https://forward.com/culture/185704/how-famed-french-artists-came-to-identify-themselv/

https://www.theartstory.org/artist/denis-maurice/

https://www.britannica.com/art/Synthetism/images-videos

https://www.museothyssen.org/en/collection/artists/bernard-emile

http://www.all-art.org/symbolism/14.htm