تحليل الإعلان الترويجي لمجموعة قرمز الشتوية ١٩٠٢


تمت مراجعة المقال بتاريخ ٢٨ يناير ٢٠٢١*

ــــــ

قراءة في السرد والفلسفة والبعد الاجتماعي خلف الإعلان الترويجي لمجموعة قرمز الشتوية ١٩٠٢

يبدأ الفيديو بمشهد في الصحراء.. تتقدم البيارق السعودية قافلة إبل محمّلة تسير على خلفية جبال في منطقة العلا

مشهد تكرر كثيراً بشكل عام وواسع خلال السنوات الماضية مع وافر الإنتاج المرئي الذي يترجم تشكّل الهوية والرؤية السعودية وبالأخص في إعلانات اليوم الوطني

الفيديو هو الإعلان الترويجي للمجموعة الشتوية المسماة ١٩٠٢، للعلامة التجارية السعودية قرمز. علامة معنية بصناعة المجوهرات والعطور والأزياء لشريحة المجتمع الشابة من جيل اليوم الذي يبحث عن علامات تجارية معاصرة وتحمل طابع محلي ورموز من الإرث السعودي

بالرغم من السرد التاريخي الذي يوحيه الإعلان في ظاهره، إلا أن بعض عناصر الصورة تبدو أنها من يومنا الحاضر. فنرى رجال ملثمين يقودون القافلة، لكن يرتدون ثياب اليوم التقليدية والمشالح الشتوية المألوفة و"النعال أو الزبيرية"، ولا تظهر عليهم علامات السفر من أغبرة وتعب. أحيانا نراهم على ظهور الجمال، وأحيانا يتربعون الأرض في مشاهد متقطعة سريعة يصعب مجاراتها أو استخلاص سرد واضح منها، تثير المشاهد إيجابا أو سلبا، وفي كلتا الحالتين لا يُعرف إلى الآن مدى استقرار هؤلاء الرجال ولا موقعهم ولا وجهتهم. وتظهر شبة نار بعيدة عن الرجال وتشبه شبة نار استراحات أو مخيمات اليوم، لتكون منظر إضافي في الإعلان ليس لها سياق منطقي لإشعال البدوي للنار في حله وترحاله، وتزيد من حيرة المُشاهد حول حالة هؤلاء الرجال وسير رحلة القافلة 

يشير اختيار العلا موقعاً لتصوير الفيديو إلى عفوية القائمين عليه. شخصياً بدت لي الجبال على أنها جبال طويق في بادئ الأمر، ربما لإشباع غاية في نفسي في خلق سياق وربطه بفلسفة المتجر على الأقل. ولو كانت جبال طويق، لجاءت داعماً للعنصر التجاري والموقع الجغرافي لمتاجر قرمز الثلاثة الواقعة في الرياض، في إيماءة ذكية لدرب "أبا القد"* والذي يقطع جبال طويق لتعبره القوافل القادمة من غرب الرياض والمزاحمية بالأخص، لبيع محاصيلهم الزراعية في الرياض قديماً، ولجاز اعتبار القافلة في الإعلان في هذه الحالة قافلة تجارية محملة بالبضائع

لكن لماذا تحمل القوافل التجارية بيارق سعودية؟ من أين أتت حاملة تلك البيارق؟ ولماذا بشكلها اليوم والتي لم تستخدم إلا في ١٩٧٣؟ إن كانت ترمز إلى فتح الرياض، أين السياق وارتباطه بالمجموعة الشتوية ١٩٠٢؟ وما علاقة اختيار موقع العلا بفتح الرياض في ١٩٠٢؟ أسئلة تبقى معلقة خلال كامل الإعلان

خلال هذا السرد غير الواضح، يؤكد تصوير وتحرير اللقطات رصانة تعلو وجوه الرجال خلال كامل الفيديو، إلا أنهم متطلعين في البداية لخطر قادم تترجمه سرعة تواتر المشاهد وحركة الكاميرا وتحرير الصوت. مثلاً عندما يقف أحد الرجلين في المشهد الثاني يرقب الأفق بعزم، بينما ترجح زاوية التصوير السفلية المائلة توجسه مما يراه 

وفي ترقُّب المُشاهد للخطر القادم، تظهر، وبدون أدنى توقع، ساق امرأة في لقطة خاطفة لا تُنسى تحت ثوب أبيض متطاير وحذاء جلد يشبه الموجود في سلة أمنياتي. لا يُعرف من أين أتت ولا كيف. وكأنها ترمز لتحول المشهد الاجتماعي في الرياض والسعودي بشكل عام المفاجئ في حلوله وسرعة تحوّله خلال السنوات القليلة الماضية. وخلال ثواني.. ومع محاولة لاستيعاب المُشاهد لشعور اللحظة وصدمة السياق، يتملك شعرها الأجعد القصير جُلّ تركيزنا بتوسط رأسها للشاشة وحضورها اليافع والنظرة الثابتة في عينيها، والتي لا يُعلم إن كانت تمثل نظرة التحدي والأنفة والشموخ (وربما المراد توصيلها للمشاهد ضمن فلسفة المجموعة ١٩٠٢ أو العلامة التجارية)، أو تمثل نظرة الجمود المستوردة التي نراها في وجوه العارضات حين يمشون عروض الأزياء (فكانت تحصيل حاصل). إلا أنها تدخل المشهد حاملة معها هدوءاً في الصوت والصورة، يتقدم الصوت وقع أقدامها الثابتة فوق حصى هذه الصحراء

وما يلبث أن يهدأ المشهد لثوانِ، على أمل أن نجد إجابات حول ماهية هذه الإمرأة الصادمة في ظهورها في سرد الزمان والمكان والصامدة رغم ذلك، وتساؤلات أخرى حول مساحة الحريات في التصوير والإنتاج مقابل الخصوصيات والخطوط الحمراء في ظهور النساء في الماضي القريب، حتى يظهر نساء ورجال غيرها، أيضاً لا يعلم من أين أو كيف ظهروا، أحدهم بعد الآخر، يمشون مشي عروض دور الأزياء في الصحراء. وكأن المشهد نقلنا في رحلة مفاجئة عبر الزمن من ماضٍ ما غير محددة ملامحه، إلى يومنا الحاضر بجرأته، ولا محالته، وعالميته المعاد تدويرها لتحمل إسماً وصوتاً ولوناً محلياً 

قد يكون هؤلاء العارضون الذين حلوا فجأةً، هم سلالة رجال القوافل بشعرهم الأجعد وصلابة ملامحهم. لكن نرى العلاقة بينهما في الصورة متغيرة.. فحين أننا نرى القافلة تحتل مكانة ثانوية في المَشاهد أو داعمة لأبناء الصحراء المعاصرين، أحيانا نراها قد انقسمت لتمشي بقرب وعن جانبي العارضين وكأنها الحامي، وأحيانا نراها بعيدة في خلفية المشهد تمشي باتجاه آخر يُستبعد أن يكون لها نقطة التقاء معهم في المستقبل، وكأن لكل من الطرفين مسيرته التي لا تعترض الآخر ولا يشغلهم أو يعيقهم اختلاف بعض

يصطفون أبناء الصحراء المعاصرين - وأحدهم عبد الرحمن العابد، مؤسس قرمز - بنفس نظرة التحدي تجاه الأفق يشكلون درع بشري يذود عنهم اقتحام عدو لا نراه، يمشون صحرائهم نسيجاً متسقاً متحلين بمجوهرات واكسسوارات وأزياء قرمز 

كما يظهر أحد الممثلين في الإعلان (سعود العيدي، اشتهر كرحالة في مواقع التواصل)، في دور شخصيتين برمزية مقصودة أو غير مقصودة، أولاً كرجل تقليدي ملثم في بداية الفيديو وثم كأحد أبناء اليوم بأزيائهم الحديثة ذات الألوان الأساسية والترابية والقصات الواسعة. يربط بين الشخصيتين نفس النظرة الثابتة باختلاف السياق الزمني والاجتماعي، ربما في محاولة إلى الإشارة أو الدعوة إلى مرونة التغيير رغم ثبات الرؤية بين رجل الأمس واليوم، سواء امتدّ الزمان جذرياً بين الأجيال، أو كان اختلاف سنوات معدودة لنفس الجيل والرجل، والتركيز في الفيديو هنا على رحلة تحوّل رؤية الرجل بين الماضي والحاضر مقابل بزوغ المرأة وحلولها في المشهد الحالي للسعودية اليوم 

ينتهي الإعلان بكتابة تاريخ ١٩٠٢ متوسطاً خريطة الرياض القديمة. تاريخ استرداد الرياض على يد الملك المؤسس عبد العزيز وعملية توحيد البلاد، والتي يصفها حساب قرمز بالمرحلة "التي لم توحد الأرض فحسب، بل وحدت معها الرؤى والأهداف والطموحات والآمال"

لا يوفر الإعلان أو موقع قرمز أو منشوراتهم في مواقع التواصل حتى تاريخ المقال ربطاً بين تاريخ ١٩٠٢ لفتح الرياض وبين المجموعة الشتوية وتصاميمها، عدا اقتباسهم المذكور في الفقرة أعلاه الذي يصفون فيه السنة المفصلية في تاريخ نجد والمملكة بشكل عام. مما ينعكس على الإعلان فيظهر غير مكتمل الفكرة بالرغم من جمال الصورة. الإعلان هو جهد وتنفيذ شباب وشابات جيل اليوم المعاصر، وكالكثير من عشرينيين اليوم، ممن يرون ويترجمون التراث من نظرتهم العالمية أولاً (تلقاء مسلّمات الجيل من وفرة وعمق تاريخي للمحتوى العالمي وسهولة الوصول إليه مقابل المحتوى المحلي، مصحوباً بالحماسة العالية والتسرع في الانتاج والتنفيذ محلياً اليوم)، والتي في كثير من الأحيان تُعرّي هذه النظرة من البحث الوافي الذي بقصد أو بغير قصد يُخرج الفكرة عن سياقها التاريخي، ويفقدها المصداقية. إلا أن جمال الصوت والصورة، وربما شعبية قرمز، ساهموا في قوة تأثيرها سواء باحتفاء المشاهدين بأصالة ووطنية الإعلان والمُعلِن أو باعتراضهم واستيائهم من ترجمة التراث وسط أجندة تتعارض مع أصالة التراث السعودي

مما يثير تساؤل - ما هو مفهوم الأصالة؟ هل يتغير بتغير الأجيال والتوجهات؟ وهل يتعيّن علينا إجابة هذا التساؤل المُلِحّ والفاصل أثناء رحلتنا الجماعية والفردية الحالية في اكتشاف ماهية الهوية السعودية؟

ـــــ

درب أبا القد هو طريق القدية اليوم*

والذي استأنسه الهواة ومجموعات المغامرات والاستكشاف

Previous
Previous

المشهد الفني في السعودية

Next
Next

Tracing Cities